قديم 27-05-2009, 11:55 PM  
  مشاركة [ 1 ]
اعصار جونو اعصار جونو غير متواجد حالياً
درجة الضيافة
 
تاريخ التسجيل: 22 - 07 - 2007
الدولة: سلطنة عمان
المشاركات: 54
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 214
اعصار جونو مازال في بداية الطريق
اعصار جونو اعصار جونو غير متواجد حالياً
درجة الضيافة



مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 22 - 07 - 2007
الدولة: سلطنة عمان
المشاركات: 54
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 214
اعصار جونو مازال في بداية الطريق
افتراضي الذكرى الثانيه-اعصار جونو-سلطنة عمان-ذكريات لاتنسى

الجزء الثاني والثالث للأحداث الواقعية-اعصار جونو





بسم الله الرحمن الرحيم

ذكريات لا تنسى/الجزء الثاني
كانت أياما جميلة وليالي صافية تلك الأيام التي قدر لها أن لا تدوم.
كانت البداية في بحر العرب بالقرب من جزر المالديف عندما بدأت مجموعة من السحب وعلى غير عادتها بالتوافد إلى هذه المنطقة ، مركز رصد الأعاصير ف الهند رصد هذه الحالة الغريبة وبث رصده إلى من يهمه الأمر في الدول المطلة على المحيط الهندي وبحر العرب . برامج معتادة هي ما كنا نتابعها في تلفزيون السلطنة عندما ورد أول تحذير في اليوم الثاني يفيد باحتمالية تعرض السلطنة لأنواء مناخية لا أحد يعلم محتواها إلا الله تعالى. هذه السحب تطورت إلى منخفض جوي فعاصفة مدارية نهاية بإعصار مداري مدمر من الدرجة الخامسة والأخيرة ، وقد نوى هذا الأخير لشد رحاله إلى عمان الحبيبة بدون دعوة تقدم له أو علم مسبق .
أعلنت حالة الطوارئ القصوى في البلاد مباشرة بعد تحديد مسار الإعصار ورصد اتجاهه إلى سواحل المنطقة الشرقية ، باغتتنا القيادة الحكيمة والحكومة العمانية بقرار رفض جميع المساعدات الإقليمية والدولية ، مع العلم بأن السلطنة لا عهد لها بإدارة أعاصير مدمرة أيا كان نوعها وقوتها فما بالك بإعصار من أقوى الدرجات ؟؟
هالنا مناظر العربات العسكرية وهي تجوب الطرق المدنية.
هالنا مناظر الطائرات المروحية وهي تكاد تلامس قمم الأشجار.
هالنا قطع التلفزيون العماني لكافة برامجه المعتادة وبدأه ببث لآخر مستجدات الطقس.
هالنا قرار من القيادة الحكيمة بتشكيل لجنة وطنية للدفاع المدني.
هالنا حالة الذعر الذي انتشر بسرعة البرق في الأوساط الاجتماعية.
إذا فالقادم لا تحمد عقباه أبدا والله المستعان.
_نزلت الطائرات المدنية ولأول مرة في جزيرة مصيره كخطوة جريئة وسريعة لإجلاء السكان بشكل فوري . لكون الإعصار جونو أراد مسحها وإزالتها من على خريطة عمان والعالم لو لا لطف العزيز القدير بنا. كانت فترة الأيام الأربعة التي سبقت وصول الإعصار كافية لإجلاء كافة السكان والمقيمين من مسار تحرك الإعصار وكان للإعلام النزيه بالغ الأثر فيما تحقق من إنجاز، فالصعوبة كمنت في كيفية إقناع المواطنين بفكرة الإجلاء الفوري وخصوصا كبار السن منهم لكونهم لا علم لهم بما يخبأه القدر لهم ولمن يهمهم أمره معتمدين في هذا الرفض والتعنت على سنوات الصفاء الماضية وعدم حدوث ما يعكر صفوهم ويهز مضاجعهم ، متجاهلين حالة الاحتباس الحراري وتغيرات الطقس التي يشهدها كوكب الأرض سنة بعد سنة ، بأوامر سامية وبمتابعة جد قريبة من لدن جلالته تم إجلاء المواطنين والمقيمين في جزيرة مصيره بنسبة 100./" فخطة سير وتحركات الإعصار تم الكشف والإعلان عنها عن طريق مراكز الأرصاد العالمية والإقليمية .
_ حجم الإعصار جونو 500كم
_ قطر عينه 35كم
_ سرعة رياحه 280كم/س
_ ارتفاع أمواج البحر 12م
أرقام تبعث على الرعب، أرقام تبعث على القلق من ما هو قادم.
في يوم 5/6/2007 وعند الصباح الباكر بدأت الأمطار الغزيرة التي تنزلها السحب الركامية المصاحبة بالهطول على المنطقة الشرقية ، واستمر هذا الهطول طوال اليوم والرياح الشديدة اقتلعت مئات الأشجار ومئات أعمدة الكهرباء والإنارة ومعظم ما كان قائم على سطح الأرض في المنطقة الشرقية ، تواصل سقوط الأمطار الغزيرة إلى الساعة الثانية وعشر دقائق ، وعند هذا التوقيت من الليل سادت لحظات سكون وهدوء لم تدم طويلا ، فإعصار جونو قد وصل ، فبعد عشرون دقيقة أي عند الساعة الثانية والنصف زلزل الإعصار جونو الأرض ومن قبله زلزل السماء وفزعنا فزع الله أعلم مداه حينها ، وكأن يوم القيامة قد حل ، هذا ما شبه به أهلنا حال تلك الليلة ، التصقنا بجدران البيت وأصوات التحطيم والانهيارات المجاورة وأصوات المياه الجارفة تكاد تخترق آذاننا ورفعت الأيدي بالدعاء والدموع شقت طريقها في وجوه ألم بها الحزن.
أي ليلة هذه التي نحن فيها ؟ أي ليلة ؟ في تلك اللحظة حانت مني التفاته : جدي أشعل فانوسا قديما قد ركنه في صندوق أقدم لعله وضعه لظرف كهذا ولكني أجزم بأن هذا الذي يحدث لم يضعه جدي في حسبانه ، حاله كحال غيره من كبار السن الذين رفضوا فكرة الجلاء الفوري ولكن ما يهمنا الآن انه بدأ بتلاوة القرآن بصوت متقطع وبالكاد مسموع ساهم الإعصار في تقطيعه وضعفه ، أخوتي الصغار تعالت أصواتهم بالبكاء الذي يقطع الأفئدة ، استمر حالنا على ما نحن عليه إلى الخامسة فجرا من سواد تلك الليلة . في هذه اللحظة توقف جونو وظنناه قد رحل ولكن ومع شديد الأسف فقد علمنا بعد ذلك أنه توجه إلى مسقط . ظهرت الشمس رويدا رويدا في ذلك الصباح الكئيب ، وعندما هممنا بالخروج صعدنا إلى سطح المنزل وهالنا ذلك المنظر العظيم فالفيضان غطى معظم أجزاء قريتنا ، فعندما هجم الإعصار علينا كنا في الطابق الثاني من المنزل ، بدأت الأحزان والمصائب فقد غطى الفيضان بيوتا بالكامل ، ترى ما حال أهلها ؟ الأودية الجارفة تجري بسرعة عالية جدا والبحر بارتفاع أمواجه يرفضها .
_ لم نأكل طوال ذلك اليوم ولم نشرب الماء العذب أبدا ، فقد كنا وكانت الأسر الأخرى بين أمرين أحلاهما أمرهما ، فقد كنا نجلب الماء البارد الملوث من الوادي ونسخنه على ما أبقى لنا جونو من أدوات لنقتل ما به من بكتيريا وجراثيم ثم نشربه ساخنا جدا ، وكم من حالات الإسهال التي تعرض لها مجموعة من الناس من تكرار هذه العملية ، الله الله يا أهل عمان كم عانيتم أشد معاناة ، كنا نصرخ بأعلى أصواتنا من على أسطح المنازل لنفجع بين الفينة والأخرى بنبأ موت قريب أو عزيز ، بينما كنا على هذه الحال كان جونو قد وصلت بداياته إلى ولاية قريات ، زلزل بها جونو ونكل ومثله صنع بمسقط العامرة ، أحدث الإعصار الجامح دمار عظيم والدعاء الخالص الصادق قد شق طريقه مسبقا في كل بيت من بيوت عمان ليخفف الله من ما أنزل بنا .
_ حل الليل وقضينا ليلتنا تلك في جوع وعطش ، لا نعلم كيف قضينا وطوينا ظلام تلك الليلة ، وفي اليوم الثاني أمر جونو وصرح للبحر باستقبال بعض فيضاناته العارمة ليفسح المجال أمامنا لمغادرة المنازل ، بدأنا في المشي في رحلة العناء والتعب وقد حمل معظم الناس ما عز عليهم تركه وخف وزنه رحلتنا كانت إلى المجهول ، كانت إلى نقطة ونهاية لا نعرفها ، إلى أقرب نقطة نتوقع وصول مواد الإغاثة . فقد وضعنا في مخيلتنا أن أهلنا في ربوع عمان لن يتركونا على هذه الحال وهذا والله ما حدث. حثثنا الخطى إلى الأمام وعندما نلتفت إلى خلفنا نرى هذه الجموع البشرية الزاحفة على الأقدام طلبا للماء لا لغيره . وقد شدني منظر شاب في مثل سني قد وضع والدته المريضة على ظهره وهي تتوسل إليه أن ينزلها متحججة له بثقلها عليه ، شدني ذلك الرد الذي رد به هذا الشاب على والدته : يا أماه أنا هنا خادما تحت قدميك ولا تحرميني من الأجر . وبعد ثلاث ساعات من المشي المتواصل وصلت الطائرات العمودية لتنزل من الجو حمولتها من عبوات الماء الصالح للشرب ومواد الإغاثة العاجلة ولكن هذه الجموع البشرية تحتاج إلى المزيد والمزيد فالأعداد كبيرة جدا والكارثة أكبر . الحزن والأسى لم يفارق تلك الوجوه البريئة أبد أبدا .
_ الأخبار الواردة التي تتلقاها هذه الجموع البشرية تفيد بأن القوات المسلحة الباسلة تواصل شق الطريق الذي أحدثه الفيضان المدمر والكل يتجه إلى تلك النقطة المقصودة .
_ جلسنا عند الظهر تحت شجرة قاومت الإعصار حين مروره بها ولعلها نذرت نفسها لنستظل بظلها ، عن طريق الصدفة وجدت هذا الشاب قد أنزل والدته من على ظهره وذهب في محاولة يائسة للبحث لها عن عبوة ماء ليسقيها بها ولكنه رجع ورأسه مطرقا به إلى الأرض من شدة الأسى والأسف ، رأيت معالم الحزن قد نالت من جهه الفتي ، جلست أحادثه وأواسيه بأننا إن شاء الله سنصل إلى نقطة النهاية معا وسنشرب الماء معا وسنعود إلى قريتنا الجميلة ونعيد أعمار ما أفسده الإعصار ولكي تجري عجلة الحياة لا بد من حدوث هذا الذي حدث . فقال لي هذا الشاب أنا مؤمن بهذا الذي تقول يا صاحبي أشد الإيمان وأنا واثق من أن أهلنا في عمان لن يهدأ لهم بال ولن تقر لهم عين قبل وصولهم إلينا ولكن مايهمني هي والدتي المريضة فأمراض السكر والقلب ينتهزان هذه الفرصة للإطاحة بها .
_ على كل حال فالجموع البشرية لا تزال تزحف باتجاه نقطة النهاية والكل يسأل الآخر عن أناس افتقدهم ويسأل عن حال فلان من القرية الأخرى وهل ما زال على قيدا الحياة.
_ شارفت الشمس على المغيب والجموع البشرية الزاحفة لم تغب عن ناظري، فهي لا تزال تواصل زحفها باتجاه المجهول وكان همها الأول والأخير الماء ثم الماء ثم الماء. حل الليل مرة أخرى وأنات الأطفال وبكائهم على ظهور والديهم أصبح لا مناص ولا مفر من سماعها والإنصات إليها ولكن ما عسانا نحن فاعلون ؟؟ الشيوخ بعصيهم الموقرة يواصلون المسير يساعدهم عليه أحفادهم والرحلة تطول ... نجم الثريا يرقب أحداث هذه الليلة الحزينة ولا يحرك ساكنا وماذا عساه هذا الأخير يفعل ؟؟ معظم الزاحفون وكنا منهم واصلنا المسير والبعض الأخر من شدت التعب جلس ليريح قدميه ويهيئها لإكمال هذه الرحلة الطويلة ، الساعة تقارب على الرابعة فجرا والسلسلة البشرية متواصلة ، والنوم لم يتجرأ على ملامسة أجفاننا لأنه علم أن لا مكان له بيننا بدون ماء .. ولكن مع أصوات الخطى المثقلة والألسنة المتمتمة بالدعاء بدأنا بسماع أصوات لا نعرف ما هي و لا نعرف حتى مصدرها ،، ولكن تأكدنا في غضون دقائق لا تتجاوز الخمس أنها أصوات المعدات العسكرية وهي تقترب من الانتهاء من شق الطريق الذي كنا نحن على جانبه الآخر ، تأكدنا وكنا متأكدين أن أهلنا على الجانب الآخر هم أيضا لم يناموا تلك الليلة لينتهوا من شق الطريق والوصول إلينا بأقصى سرعة ممكنة .
_ تجددت الهمة والعزيمة من جديد وأصوات التكبير بدأت تسمع من بعيد وترددت هذه الأصوات الله أكبر الله أكبر لتصدم بالأودية الجارفة والجبال العالية. إذا فلقد فعلها العمانيون ونجحوا في شق طريق من أصعب الطرق على الإطلاق في فترة زمنية قياسية وعلى مدار 48ساعة متواصلة .. كانت أول العربات التي تمكنا من رؤيتها عدد اثنان من كاشطات الحصى ولا مجال للرجوع وخلفها البلدوزرات التي تسوي الطريق في مسار ضيق جدا وخلفهم قوات التدخل السريع من الصاعقة العمانية وخلفهم قوات الإنقاذ والطوارئ وخلفهم بالترتيب سيارات الدفع الرباعي محملة بالمياه الصالحة للشرب ، ولم تفتني رغم ما أرى أمامي تلك الجموع البشرية خلفي وهي تركض ركضا عجيبا من شدت العطش ، وعند انفتاح الطريق ووقوف أول معدات كاشطات الحصى في جانب منه رأيت بأم عيني قائد هذه العربة وهو يبكي بكاءا مريرا من شدة الفرح علمنا فيما بعد أنهم جميعا لم يغادروا هذه العربات منذ أكثر من 48 ساعة وعندما يطلب منهم النزول للراحة يرفضون وعندما يقدم لهم الماء لشربه أيضا يرفضون ويقولون كيف نهنأ بشرب الماء وأهلنا على الجانب الأخر لا يجدون ما يسدون به رمقهم ؟؟ الله الله من تضحية , الله الله من وفاء ..
_ الليل لا زال يخيم وسيارات الدفع الرباعي بدأت بملأ المكان وبدأت بإنزال حمولتها من المياه , فقط الماء ما كنا نطلب . تلك أوقات عصيبة مرت علينا ولا أرى بأننا سننساها ما حيينا ، لحظة الدموع ستبدأ الآن , لقد رأيت بعض أفراد القوات المسلحة يقدمون لنا الماء ويبكون ويقولون نحن معكم ولن نترككم ، يقولون ماذا فعلت ياجونو بأهلنا ، يقولون ليس بيدنا أن تركناكم بدون ماء أو مأوى فجونو حال بيننا وبينكم ، يقولون والله يا أهلنا لقد عز علينا ما أصابكم ، وقاموا يسوقون لنا الأعذار وهم يقدمون الماء وكأنهم هم الإعصار الذي فعل بنا ما فعل , ورأيت أحد الأفراد البواسل يقدم الماء لطفلة صغيرة أتعبتها الرحلة الطويلة ، وضعها في حضنه ودموعه بللتها ويقول أي ذنب اقترفت ليفعل بك جونو كل هذا ؟ دموع الفرح والترح امتزجت مع بعضها البعض .. وأكملت العين طريقها في مشوار البكاء الأخير فقد التفت إلى يساري وعلى بعد بضعة أمتار رأيت شابا خيل لي أنه هو الشاب الذي التقيت به ظهر الأمس وفجره ولكن هذه المرة بصحبة أناس لا أعتقد بأن له صلة بهم ,, اقتربت منه وقد لزم الصمت ، اقتربت منه بابتسامة محشوة بالحزن والأسى على هذا المصاب الجلل وقلت له الحمد لله الذي أوصلنا إلى هنا ، حمدا لله على السلامة ، كان اسمه أحمد ، هممت بمواصلة حديثي فأوقفتني التفاتة منه ودموعه تسيل على خده وأصحابه الذين معه لم تغادر الدموع أجفانهم .. أكمل أحمد التفاتته نحوي ودموعه تكاد تتجدد وتنفجر , ما بك يا أحمد ؟ لقد ماتت أمي..... هكذا رد علي وليته لم ينطق بحرف مما سمعت. كيف يا أحمد ؟ لقد ماتت ليلة البارحة وأنا أحملها على ظهري , كان يقول كلمه ودموعه تعرقل حديثه , لقد ماتت وهي تعتذر مني بقولها : أعذرني يا بني بأنني لن أكمل معك هذه الرحلة , أعذرني يا بني بأنني لن أعيش لألبسك ثياب عرسك ، أعذرني يا بني بأنني لن أعيش لأتمكن من وضع الحناء على يديك ورجليك ليلة عرسك ، أنه القدر يا بني , أنه القدر .... لقد حملتها على ظهري لمدة 17 ساعة متواصلة, أردتها فعلا أن تلبسني ثياب عرسي لا أن ألبسها كفنها .... أي لحظة هذه ؟ أي لحظة ؟ لقد حضنته بعد الذي قال . نعم أذكر أنني حضنته وهو يقول لقد دفناها في الطريق ليلة البارحة واكملنا المسير ولكن قلبي ايضا دفنته معها... آه يا جونو لقد كسرت ظهورنا ...
_ بينما كان الجميع يعالج التعب والأسى والألم كانت الأيدي مرفوعة بالدعاء في كل بيت من بيوت عمان والخليج ، والجميع كان يدعو بصوت واحد يالله خفف عن أهلنا في عمان مصابهم .
_ العمانيون في أقصى الشمال في مسندم وفي أقصى الجنوب في ظفار كانوا يسيرون العربات المحملة بكل ما نحتاج إليه ، والحافلات تطوف طرقات السلطنة في الولايات والمدن والقرى وتنقل من يريد الذهاب للمساهمة في إعمار الدمار الذي خلفه الإعصار . إن الشعب العماني العظيم الذي أذهل العالم في التفافه حول قيادة بلده في أصعب الظروف لهو حقا جدير بالاحترام والتقدير ، لأن الكارثة لم تكن من السهولة السيطرة عليها بمكان . فقد صنف الخبراء هذا الإعصار إلى الدرجة الخامسة والأخيرة وجعلوه أقوى من إعصار كاترينا الذي اجتاح ولاية نيوأورلينز الأمريكية .
_ برغم الذي حدث ولكني أشعر بالفخر لكوني أحد أبناء هذا البلد ولكوني أحد الأفراد الذين أتى الإعصار على ممتلكاتهم لكوني استظل بظل هذه القيادة الحكيمة التي رفضت جميع المساعدات الخارجية لتنقذ هذا الشعب من منة وعطايا الآخرين والتي راهنة العالم على قدرات هذا الشعب وكسبت الرهان كسبا كاسحا ، فقد شمر العمانيون عن سواعدهم وخرجنا من إعصار جونو بنتائج مشرفة جدا بشهادة حكومات العالم وشعوبهم وخرجنا بأقل أضرار بشرية ولله الحمد . فكل شيء مدمر سيعاد إصلاحه وتظل عمان المجد وقائدها المفدى الذي نكن له كل حب وتقدير بألف صحة وعافية . هنيئا لك يا عمان وهنيئا لكم يا عمانيين بقائد فذ حكيم مثل صاحب الجلالة السلطان قابوس أمد الله في عمره ، وهنيئا لك يا صاحب الجلالة بشعب عظيم بنا نفسه بنفسه من أجل كرامته ورفعت بلدة ..

إلى صاحب الجلالة السلطان قابوس
إلى ضحايا الإعصار جونو
إلى الشعب العماني العظيم
إلى القوات المسلحة الباسلة
أقدم هذا العمل المتواضع
سلسلة أجزاء إعصار جونو
( ذكريات لا تنسى ) الجزء الثاني
18/7/2007




بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثالث من سلسلة أحداث( ذكريات لا تنسى )

_ في الوقت نفسه الذي كان يوزع الماء فيه ، كانت هناك فرقة كبيرة من أفراد القوات المسلحة الباسلة اختلطت دموعهم بالعرق ، كانوا ينصبون الخيام بسرعة مذهلة جدا ، وكان الضباط بأنفسهم يساهمون في نصب هذه الخيام وتوزيع الماء ، لم يكتفوا بإصدار الأوامر فقط بل كانوا هم على رأس منفذي هذه الأوامر التي تقضي بنصب خيام عاجله . ( لعمري أنها لملحمة وطنية إنسانية كشفت معدن المواطن العماني ) والجموع البشرية الزاحفة تزداد دقيقة بعد دقيقة ، ساهم في هذه الزيادة الكبيرة أصوات التكبير التي تنبأ بانفراج الأزمة ، كانت الأخبار الواردة تفيد بأن الجموع البشرية لا تزال تواصل مسيرها إلى نقطة الوصول للحصول على الماء الذي أتعبهم الوصول إليه . جاءت صرخة كبار الضباط المتواجدين في الموقع قوية هزت آذاننا جميعا ( فلتتوجه فرقة لملاقاة النازحين ) الكلمة الأخيرة تدمع العيون وتهيج الشجون، فأهلنا أصبحوا نازحين ومشردين مما سببه إعصار جونو.
على الفور توجهت إحدى الفرق المهيأة لملاقاة من يجد في الخطى ويحث في السير لملاقاتهم ، بينما سيارات الدفع الرباعي لا تزال تتوافد وتملأ المكان وتنزل حملتها من المياه الصالحة للشرب ، والطائرات المروحية هيأ لها موقع عاجل لهبوطها وإنزال الأطقم الطبية . بعد 9 ساعات من فتح الطريق جاهدت عيناي لمنع دموع أرادت الفرار من مدامعها ، فكلما نظرة إلى خلفي أجد بأن الجموع البشرية بدأت تقل ، ليست كما كانت أو الوصول . بدلا من المئات أصبحت الآن بالعشرات . إذا فلقد فعلها العمانيون من جديد وأوقفوا هذه الجموع الزاحفة عن حدها لتقديم المساعدة العاجلة لها . ألتفت يمنة ويسرة ولا أجد من يساعد المواطن بعد الله إلا المواطن ، لم أجد مكانا للعنصرية وللطبقية الممقوتة بين صفوفنا من محل ، فجونو أتى على الجميع ، فقد كنت أرى في طوابير منظمة ، عمانيين و وافدين لا فرق بين هذا وذاك والجميع سواسية أمام الملمات والرزايا .
( أتى ليل الإنقاذ طويل في مخيمات أراد لها القدر أن تكون ) شيدت في غضون ساعات طوال النهار حارات من الخيام تضيئها المصابيح التي تعمل بالمولدات التي تم استقطابها . وكم كان الفرح والترح أعز رفيقين في تلك الليالي الحزينة ، حين يتزاور أهل الخيام مع بعضهم البعض ويتبادلون الأخبار ويتساءلون عن ما حل بالأهل والجار ، وكل يشرح بطريقته البسيطة العفوية كيف هجم الإعصار عليه وماذا فعل به .
_ أتى صباح الغد بأكثر إشراقا وأكثر بهاء ، فجونو غادرنا ولكن لم تغادر معه مآسيه وأحزانه . خرجت من الخيمة وكانت عيناي تسابقاني للنظر لناحية الغرب الحزين حيث ممر الوصول لنقطة النهاية ، والحمد لله فقد توقف النزوح توقف نهائي ، إلا من أفراد القوات المسلحة الباسلة التي لم تلامس أعينهم النوم طوال تلك الليالي .
_ في ذلك اليوم تبدلت الوجوه وتغيرت الملامح ، وكان من ضمن ما تغير اللهجات علمنا فيما بعد أن العمانيين بأجمعهم وقفو وقفة رجل واحد وتحركوا من ولاياتهم وقراهم وأتو إلينا لشن حرب ضروس على ما سببه الإعصار من دمار ( تذكرت في تلك اللحظات سبب رفض القيادة الحكيمة للمساعدات الخارجية أيا كانت ، فصاحب الجلالة حينما راهن على مقدرات وقدرات وإمكانيات الجهود الوطنية وقدرة هذا الشعب العظيم على تحمل مسؤولياته بنفسه كان يعني ما يقول وقد كسب الرهان كسبا كاسحا مما جعل العالم يشيد بالعمانيين حكومة وشعبا . فسنوات النهضة المباركة البهيجة أتت أكلها اليوم في ألوان متعددة من التعاون والتعاضد والتكاتف الذي يدعي إليه صاحب الجلالة ويشجع . ( أنه باني عمان وأنعم ) .
_ هنا أود بأن أوجه رسالتين جميلتين لمن يهمه الأمر ، الأولى لقلة قليلة جدا من أشقاءنا أبناء دول مجلس التعاون وهذه القلة القليلة لا تمثل سوى نفسها فقط ، ومفاد هذه الرسالة أن الجميع يعلم أن الشعب العماني ربما يكون من أقل شعوب دول مجلس التعاون دخلا للفرد ، وهذا لا يعيب أبد وهذا راجع إلى أحوال وظروف البلد ومتغيرات الوقت ، ونحن راضون أشد الرضا بهذا الواقع وهذا متمثل في ولاءنا لقيادتنا الحكيمة وحبنا اللامحدود لباني عمان المجد والتاريخ . لطالما نعتنا البعض من هذه القلة بالتخلف والجهل ولطالما لم يولينا بعض أفراد الدول المجاورة أدنى اهتمام ، كانوا ينظرون إلينا من زاوية مادية ضيقة جدا إلى أبعد الحدود ، لماذا ؟ ألكون دخل الفرد منا أقل بكثير إذا ما قورن بدخله ؟ وما العيب في ذلك ؟؟ على أي حال فهذا موضوع يطول الحديث فيه ، هنا أقول في هذه الرسالة الأولى : أنظر يا من عيرتنا يوما على قلة دخل فردنا ، أنظر ماذا صنع هذا الفرد وأقرانه ، كيف شكر الله تعالى على ما حل به ونزل ، أنظر كيف واجهنا إعصارا مدمرا من أعتا الدرجات و أقساها وأقواها الخامسة والأخيرة على مقياس ضبط الأعاصير ، أنظر هذه الإنجازات التي تحققت في فترة قصيرة جدا للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار والخسائر ، أنظر كيف التففنا حول قيادة بلدنا في أقسى الظروف للخروج بأقل خسائر بشرية ( وهذا ما حصل ) أنظر وأقرأ شهادات دول العالم لنا بما حققناه من إدارة علمية ومنهجية للتعامل مع قوى الطبيعة (وكله بتوفيق من الله تعالى) .
_ الرسالة الثانية : أوجهها للغرب بشكل عام ، وهذه الرسالة توجه باسم دول مجلس التعاون الخليجي على لسان الشعب العماني ، لطالما قال الغرب فينا وقال ، لطالما قالوا أن أهل شبه الجزيرة العربية هم قوم أبل وهم عبارة عن بدو جهلة لا علم ولا قبل لهم بالحياة المعاصرة الحديثة ، ولطالما قالوا ويقولون أن أراضينا تفجرت بالنفط وهذا ما غير أحوالنا ولكنا نحن في نظرهم قوم في قمة الجهل والتعقد . قالوا فينا وجاء الوقت لنقول فيهم ، أنظروا يا غرب كيف كان تصرف عمان وشعبها والخليج أثناء الإعصار المدمر ، أنظروا كيف رفض العمانيين مساعدتكم ، أنظروا كيف أغنانا ربنا الكريم وجعلنا في منأن من عطاياكم وعطايا غيركم ، نحن أصحاب إبل (أسوة بنبينا المصطفى _ مع الأخذ بمتطورات العصر والوقت) ولكن لا تنقصنا العقول الإدارية لإدارة والتصرف في أزمات مثل الذي حصل . نعم فالإعصار أتى على عمان وأهلها فقط ، ولكن نحن في عمان متيقنين أن أهلنا في دول مجلس التعاون كانوا معنا بقلوبهم وكنا حاضرين معهم في صلواتهم ودعاءهم ، متأكدين أن الحزن والألم ألم بكل بيت في دول الخليج ، متأكدين أن دموعا أذرفت لنا وعلينا منهم .

إلى صاحب الجلالة السلطان قابوس
إلى ضحايا الإعصار جونو
إلى الشعب العماني العظيم
إلى القوات المسلحة الباسلة
أقدم هذا العمل المتواضع

أيمن الغيثي
سلسلة أجزاء إعصار جونو
ذكريات لا تنسى
الجزء الثالث والأخير
20/7/2007

الجزء الاول في هذا الرابط
https://www.flyingway.com/vb/showthread.php?t=27570
التوقيع  اعصار جونو
اعصار جونو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لاتنسى, الذكرى, الثانيهاعصار, جونوسلطنة, عمانذكريات
القسم العام


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السياحة في سلطنة عمان LIVERPOOL الخليج العربي - Arabian Gulf 19 13-10-2010 08:24 PM
ويش رايكم حبايبي نسير على سلطنة عمان من بداية ظهورها لغاية عهد السلطان قابوس جمال الصباح الخليج العربي - Arabian Gulf 31 04-04-2010 02:54 AM
ملف شامل ع السياحه الداخليه في سلطنة عمان عاشق الضيافة الخليج العربي - Arabian Gulf 5 20-02-2009 03:44 AM
سلطنة عمان تستضيف الملتقى الخليجى الحادى عشر لتزويد الطائرات بالوقود serag eldin المقالات الصحفية Rumours &News 4 04-11-2008 03:12 PM
القدرات العسكرية العربية :سلطنة عمان /الامارات العربية المتحدة اسد الخليج القسم العام 3 09-04-2007 02:19 AM


الساعة الآن 09:08 AM.
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
حق العلم والمعرفة يعادل حق الحياة للأنسان - لذا نحن كمسؤلين في الشبكة متنازلون عن جميع الحقوق
All trademarks and copyrights held by respective owners. Member comments are owned by the poster.
خط الطيران 2004-2024

 
Copyright FlyingWay © 2020