في عام 1866 التقت مجموعة من الأميركيين للاحتفال في العيد الوطني الأميركي الرابع من يوليو (تموز) في مطعم «بوا دي بولون» بباريس وكان من بين المجموعة جان جي حفيد واحد من القانونيين المعروفين في أميركا الفتية آنذاك. واقترح على المجموعة قائلا «حان الوقت الآن لإنشاء معهد وغاليري للفن في نيويورك «وقد استقبل الاقتراح بحماس». وبعد مرور سنة على ذلك اللقاء قاد جان جي الذي كان يرأس نادي النقابة في نيويورك حملة بين قادة المجتمع المدني وتجار الفن وأصحاب الجمعيات الخيرية من أجل إنشاء أول متحف أميركي يضاهي متاحف أوروبا. وفي نهايات سبعينات القرن التاسع عشر ولد متحف المتروبوليتان للفن الذي انتقل في عدة مواقع حتى استقر به الحال في موقعه الحالي على الجادة الخامسة شمال مانهاتن ليحاذي حديقة نيويورك الكبيرة الـ«سنترال بارك»، والمتحف بطراز معماره القوطي أخذ بالاتساع شيئا فشيئا حتى أصبح واحدا من أكبر متاحف الفن في العالم وقد وصفه فليب دي مونتيبيلو مدير المتحف الحالي بدائرة معارف نيويورك ويذهب بعيدا قائلا إنه «دائرة معارف الفن في العالم»، ومن الممكن أن تشاهد فيه ما يعكس ثقافات شعوب عدة بدءا من الفن الآشوري والمصري ومرورا بفن فلورنسا وحتى ما يعكس ثقافة غينيا بيساو الجديدة وهضبة التبت الصينية.
وتبلغ مساحة المتحف أكثر من مليوني قدم مربع ويضم أكثر من 3 ملايين قطعة من الفن الحديث والقديم من مختلف دول العالم ويضاف الى ذلك أن هذا الصرح يضم أيضا قطعا من الآلات الموسيقية والعسكرية المتنوعة تعود الى فترات زمنية من تاريخ البشرية متنوعة ويملك 36 الف قطعة من الفن المصري القديم. وفي البداية اقتصر المتحف على الفن الأوربي وقليلا من الفن الأميركي ولكن مع مرور الزمن اتسع المتحف ليضم مجموعات كبيرة من الفن والتحف إضافة الى جناح خاص بفن التزيين والتصميم الأميركي الذي عكس مراحل تطور هذا الفن في القارة الجديدة ويحتوي هذا الجناح على 12 الف قطعة من نماذج الأثاث والتصاميم الأميركية. وقد انتهى المعماري ريتشارد موريس هونت خريج مدرسة الفنون الجميلة في باريس من تصميم وإنجاز المتحف بطرازه القوطي عام 1926 ومع ذلك بقيت الاضافات مستمرة حتى أخذ شكله النهائي في العام الماضي. ولا يمكن الزائر لنيويورك تجاهل متحف المتروبوليتان نظرا لموقعه وطرازه المعماري الذي يختلف كليا عن المعمار الحديث الذي ميز مدينة نيويورك حيث البنايات العالية ذات الواجهات الزجاجية . فالمتحف لا يغري عشاق الفن فحسب وانما يغري محبي التصاميم وديكورات القصور الكبيرة وتصاميم الأزياء. والمتحف في نظامه وطريقة عرضه للأعمال الفنية يتجاوز الشكل التقليدي أو الكلاسيكي الذي ميز متاحف أوروبا خصوصا متحف اللوفر بباريس أو البرادو في مدريد. فهو لم يقتصر على الأعمال الفنية وانما تجاوز ذلك ليشمل عرض آلات موسقية وعسكرية وأثاث قديم إضافة إلى جناح خاص بتطور الأزياء حتى العصر الحديث.
وما يلفت للنظر ضمه مجموعة من أزياء مغنيي ومغنيات الأوبرا والبعض منها لمصميمي أزياء معروفين على رأسهم الإيطالي الراحل فرساشي. وإذا تميز متحف المتروبوليتان بحيازته على مجموعة كبيرة من الفن المصري والآشوري القديم غير أنه يتفاخر بأكبر مجموعة لديه من الفن الإسلامي. والجناح الخاص بالفن الإسلامي يعكس تطور هذا الفن منذ القرن السابع الميلادي وحتى القرن التاسع عشر وليس من المبالغة القول إن الجناح يقدم رؤية شاملة للفن الإسلامي. فالجناح يحتوي على أعمال فنية تمثل مراحل مختلفة من الفن الإسلامي ولا تقتصر على الخط العربي والمنمنات والزخارف الإسلامية وانما تشمل ايضا قطعا فنيا تعكس تطور المعمار الإسلامي وصناعة النسيج وتطور فن السيراميك إضافة إلى اعمال فنية مادتها الحديد من مصر وسورية ومجموعة أخرى من الهند وبلاد فارس. فالجناج يضم أعمالا من العالم الإسلامي القديم من الجزيرة العربية والأندلس ومصر وسورية والعراق والهند وفارس ومنغوليا الهندية. وقد تكون تحفة هذا الجناح هي القاعة الدمشقية التي تجسد رفعة ما بلفه الفن الإسلامي المعماري .
ويعتبر متحف المتروبوليتان للفن أكبر متاحف الولايات المتحدة وهو الأكبير في مدينة نيويورك وهو من المتاحف الكبيرة في العالم ولا يقتصر المتحف على ما لديه من مجموعات فنية وإنما يقوم بين حين وأخر بتقديم عروض فنية لفنانين من العالم أو تقديم عروض خاصة لمراحل فنية معينة أو لبلد أو قارة معينة. والمتحف الذي يقع في شارع 82 من الجادة الخامسة يتخذ موقعا من الجهة الغربية للسنترال بارك من مانهاتن ويضم أجنحة كثيرة. وأول ما يواجه الداخل للمتحف بوابته الكبيرة التي تقوده الى مكتبة المتحف الكبيرة ومن هناك الى جناح خاص لفن القرون الوسطى الأوروبية. وقد توزعت أجنحة المتحف على قاعات خاصة كبيرة منها جناج خاص بالثقافة والفن الأميركيين بدءا من القرن السابع عشر وحتى بدايات القرن العشرين. وهناك جناح خاص بفن الشرق الأدنى القديم ويضم اعمالا من فترة الألفية السادسة قبل الميلاد وهي من وادي الرافدين وسورية والاناضول ولعل ما يميز هذا الجناح هي الأعمال التي تعود الى الفترة الآشورية ومن بينها جداريات وتماثيل للثور الأشوري المجنح الشهير. ثم يأتي جناح كبير من أهم أجنحة المتحف للفن البدائي ويضم أعمالا من أفريقيا ومن سكان الأميركتين الأصليين الهنود ويحتوي على تماثيل وقطع فنية ذات مواصفات عالية من بنين نيجريا ومن شرق وجنوب أفريقيا. ويلي هذا الجناح قاعة كبيرة خاصة بالفن الآسيوي القديم تزينها أعمالا وقطع فنية وتماثيل من جنوب شرق آسيا ومن الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وكلها تنتمي إلى مرحلة ما قبل الميلاد. ومن ثم يأتي الجناح الخاص بالأزياء الذي يعكس تطور الأزياء في العالم خصوصا أزياء المرأة من بينها تطور استخدام حمالة الصدر. وبعد هذه الرحلة تفاجأ بالجناح الخاص بالفن المصري القديم والذي يضم أعمالا من المرحلة الأولى للمملكة الجديدة في مصر القديمة ولا يقتصر الجناح على أعمال السيراميك والقطع الطينية بل يضم مجموعة من التماثيل والبورتريهات لملوك المملكة الجديدة في مصر القديمة. وإذا واصلت السير بعد التجوال في الجناح المصري ستجد نفسك أمام قاعة خاصة بالتخطيط والرسم الأوروبي وهي تضم أعمالا لفناني أوروبا الكلاسيكيين بدءا من عصر النهضة حتى فناني المدرسة الانطباعية بالفن. وقد توزعت الأعمال الفنية هذه على دول أوروبية عديدة منها بالتأكيد ايطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك ويقدم الجناح صورة متماسكة عن تطور فن الرسم في أوروبا ولا يخلو المعرض من أعمال فنانين مشهورين مثل رامبرانت وغويا وروبنسن وسيزان ولوتريك وفان كوغ وغيرهم من فناني أوروبا المشهورين. وبعد هذه الصالة يأتي الجناح الخاص بفن النحت والديكور الأوروبيين ويحتوي على أعمال نحتية بدءا من العصر المتوسط حتى بدايات القرن العشرين ومن بين هذه المجموعات لدى المتحف مجموعة خاصة بالفنان الفرنسي رودان. وأما بقية الأجنحة فهي تتوزع ما بين الفن اليوناني والروماني القديم إضافة الى جناح خاص بالفن الحديث الأوروبي والأميركي وهو يضم أعمالا فنية لأشهر فناني القرن العشرين مثل ماتيس وبيكاسو وكاندنسكي ومودلياني وفرناندو ليجير وجورج براك وخوان ميرو وآخرين إضافة الى أعمال اشهر فناني أميركا مثل جورجيا أوكيف ووليم ديكوني وجاكسون بولوك واندي وارهول وغيرهم . ومن بعد ذلك هناك جناح خاص لآلات الموسيقى من أوربا وإيران وأفريقيا وهو يضم الات متنوعة من بينها البيانو والعود والغيتار وغيرها من آلات الموسيقى. وما يميز متحف المتروبوليتان ضمه مجموعات خاصة لمحبي الفن أشهرها مجموعة روبرت ليهمان وقد حرص المتحف على تقديم هذه المجموعة في دليله نظرا لما تضم من أعمال فنية رفيعة من بينها أعمال للفنان الهولندي رامبرانت وأخرى لأعمال الفنان الأسباني غويا وأخرى لأعمال الفنان اليوناني الرائع غيرغو . وقد يكون مسك الختام زيارة القاعة الخاصة بفن التصوير الفوتوغراف وهي تضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية تمتد من أواسط القرن التاسع عشر حتى عام 1946 من القرن الماضي وتتنوع المجموعة على أعمال مصورين من أوروبا وأميركا.