[طيارة المستقبل ايمان]

اختلفت التعاريف التي أعطيت لدائرة الأمان لكنها عموما هي تلك العادات والممارسات والظروف التي اعتاد

عليها الانسان منذ صغره وهي أيضا الأماكن التي يعرفها والأصدقاء الذين يشعر معهم بالارتياح ، حتى أصبح

أي شيئ خارج نطاق هذه الدائرة يمثل بالنسبة إليه تهديدا لأمانه ولاستمرار حياته بالطريقة المعتادة ، وغالبا

ما لا يتجرأ الناس إلى الخروج من دائرة أمانهم أو التمرد عليها بحجة الاحساس بعدم الاستقرار على

المستوى النفسي وما يصاحبه من ضغوطات وتوتر .

ليس بالضرورة ان يكون مجموع العادات التي تتأسس عليها دائرة أمان الفرد صائبة أو هي النموذج الأمثل

والوحيد للحياة ، لأن الفرد الذي يعيش داخل دائرته يرى كل شيئ محدودا ، فــ ما داخل الدائرة هو الصواب

وما خارجها خطأ ، فــ هذا الفرد هنا لا يحتكم إلى معايير حقيقية أو ثابتة في الحكم على مدى صحة ما يفعله

وما يشعر فيه بالأمان .

لتوضيح مفهوم دائرة الأمان أكثر أعطي مثالا بسيطا :

فلان تلميذ يدرس في الثانوية ، وقد اعتاد منذ صغره أن يظل صامتا لأنه وجد القمع في محيطه وأنه إن قال

شيئا سيتعرض للانتقاد والسخرية والاستهزاء ، اذن هو يرى أن سكوته ينقذه من مشاكل هو في غنى عنها

، وهنا تكونت عن الفتى دائرة أمان مبنية على أساس خاطئ وهو الخوف من ردة فعل المتلقي إن هو تكلم .

كبر الفتى حتى دخل الثانوية وهو كعادته لا يشارك في القسم أثناء الحصص الدراسية متوهما أن الصمت هو

الصواب ، في يوم من الأيام كلف الأستاذ تلاميذ القسم بــ بحث يقومون به وبعدها يعرضون الملخص على

الأستاذ والتلاميذ في محاضرة شفوية ، والبحث إلزامي على كل تلميذ . الفتى طبعا بعد سماع كلام

الأستاذ ، لا شك وأن جميع الأحاسيس النفسية السلبية قد تناوبت عليه ، ابتداء من القلق وانتهاء إلى

القلق نفسه.. ! قلق من عملية التغيير من الصمت إلى الكلام والتعبير أمام الآخرين، وما يصاحب العملية من

خروج من دائرة الأمان التي أحيط بها هذا الفتى منذ صغره ، فــ هو الآن مكبل بقيود غير مشروطة كل ما في

الأمر أنه اعتاد عليها حتى ظن أنها الصواب ، فقط لو حاول الحياد عن هذه الدائرة ولو قليلا لاكتشف الصواب

من الخطأ ولتحرر من هذه الدائرة التي يعاني الكثيرون بسبب منطقها الخاطئ غالبا .

كان هذا مثالا بسيطا عن وهمية دائرة الأمان والتي غالبا لا تبنى على أسس واضحة أو ثابتة ، ولتوضيح هذه

النقطة الأخيرة سأعطي مثالا آخر للنساء في المجتمعات المسلمة وأنا هنا أقول المسلمة وليس العربية

وذلك لإبراز الاسلام ودوره في تصحيح شروط بناء دائرة الأمان ، أعود للمثال فأقول :

هل يصح للمرأة المسلمة أن يكون لديها زوج وحبيب في نفس الوقت ؟ بمعنى هل يجوز لها أن تأخذ المثال

الغربي قدوة لها ويكون لها حبيب إلى جانب زوجها ؟ طبعا لا ، لأنها أولا ستتلقى انتقادات لاذعة من المجتمع

لأن دائرة الأمان التي تربى فيها المجتمع الإسلامي هي نبذ دخول المرأة المتزوجة في علاقة عاطفية إلى

جانب علاقتها بزوجها كما هو الشأن بالنسبة للرجل أيضا ، هذا المعيار مأخوذ من الدين الإسلامي إذن فهو

معيار صائب وبالتالي دائرة الأمن في هذه الحالة صائبة ولا ضير في التأطر بها .

لكن

ماذا عندما يعاقبك المجتمع لأنك حاولت تجاوز حدود بلدك و أردت الانفتاح على بلدان عربية أخرى ، وحاولت

التعرف على ثقافتها ولم لا الاندماج فيها دون نسيان هويتك ؟ ما يفعله المجتمع في هذه الحالة هو ظلمك

لأنه لم يضع الدين في الاعتبار ، أي أنه حسب السيد المجتمع لا داعي للتواصل مع البلدان الأخرى بل ويعتبر

فعل ذلك جريمة ! لأنه بكل بساطة اعتاد على نمط عيش محدد ولما جاء وقت تغيير هذا النمط انتفض

وأحس بأن أمانه قد يهتز أو يضيع ، فيبدأ بمواجهة الشخص الذي يريد التحرر من هذه القيود غير المشروطة

بالنقد اللاذع والمقاطعة من طرف أقرب الناس خصوصا المتشبعين بأفكار المجتمع ، وأنا أتحدث هنا عن الأفكار

غير المبنية على أساس ديني ، أي التي تكونت وفق أهواء خاصة ولا يزال مفعولها للأسف قائما إلى يومنا

هذا ...

لو نظر المجتمع من زاوية الدين لوجد الله تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ

شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

صدق الله العظيم ،سورة الحجرات الآية 13 . أمام عظمة هذه الآية الكريمة يجب أن تسقط كل الموانع

المصطنعة من طرف المجتمع والتي تؤسس دائرة أمانه ... يجب أن تندثر كل الفوارق لأن هذا كلام رباني لا

يجب الاستعلاء عليه ... إذن فلنتحل بالشجاعة ولنراجع الأسس التي بنت بموجبها مجتمعاتنا العربية دوائر

أمانها ، ولنكن أكثر تسامحا مع غيرنا ليسود الحب والأمن الذي ينشده الجميع .. ومن أجل أن نرى يوما ما

يد المشرقي بيد المغاربي معا يمشيان في طريق واحدة دون فوارق أو أحكام مسبقة ..

ولا ننسى أن المجتمع ليس دائما على صواب إلا إذا بنى قواعده وأحكامه على أساس ثابت هو الدين ..

والسلام


بقلم : طيارة المستقبل ايمان

[محمد احمد عسيري]

يعطيك الف عافية اختي العزيزة ايمان
مقال رائع جدا واستمتعت بقراءته
ماعندي حقيقة اي تعقيب اكثر من كذا على كتابتك لهذا الموضوع الجميل
تحياتي لك اخت ايمان

[عاشق A380]

مقال جميل جداً أخت ايمان
استمتعت بقراءته
شكراً جزيلاً لك