[عاشق A380]

تعرف العَنْقَاء (أو الفينيق/ الفينكس) في الترجمات الحرفية الحديثة، على أنها طائر خيالي (في الغالب مؤنث)، ورد ذكرها في قصص مغامرات السندباد وقصص ألف ليلة وليلة، وكذلك في الأساطير العربية القديمة وفي لسان العرب: العَنْقاء: طائر ضخم ليس بالعُقاب، ولكنه يصنف بالجارح اتسم بحجمه المهيب، وبجناحيه اللذين يغطيان السماء، وهو ما تقوم به كل من إيرباص وبوينغ في الوقت الحالي من تنافس حاد في مجال تطوير طائراتها من فئة البدن العريض والمحركين الثنائيين كالبوينغ 777 و787 وإيرباص 350، وهو ما سيدور حوله الموضوع التالي.

التنافس بين صناع الطائرات المدنية في استمرار، مادام هناك طلب في السوق، وحاجة ملحة الى تلك الطائرات، ورغبة عالمية نحو التطور وتحقيق نسبة عالية من الارباح، ولهذا سيشهد العقد الحالي ظهور نماذج جديدة من الطائرات ستتسم بالضخامة والتعملق (عملاقة)، بحيث ستخضع فيه الطائرات الحالية كالبوينغ B777، والايرباص 350 لعمليات تحسين من خلال إطالة أبدانها وزيادة قوة محركاتها، ستجعل منها ذات قدرات حمل عالية مقرونة بمديات طويلة جدا، والأهم أكثر كفاءة واقتصادية في التشغيل.

بدن أطول
ظاهرة إطالة البدن اشتهرت منذ دخول الطائرات عالم الدفع النفاث، وقد احتدمت أكثر مع إطالة البوينغ 777 لبدنها مع النموذج ـ 300، لتنافسها إيرباص مع النموذج 340-600، الذي اعتبر قبل دخول البوينغ 747-8 أطول طائرة بدنا، حيث بلغ 76 مترا في حين تفوقت عليها البوينغ 747-8 لتصبح 78 مترا. وقد لوحظ ان عدد الركاب في ازدياد، وان اعداد المقاعد في الطائرات التي كانت موجودة في الخدمة لم تكن كافية، فظهرت بعدها نماذج بعدد مقاعد اضافية، وتجاوزت حاجز 350 مقعدا على النموذج بوينغ 777-300، حتى بات الحديث عن عدد سيتجاوز حاجز 400 مع النموذج، الذي سيتم تطويره وهو 777-9 إكس العملاق. ولم يكتف الصانع بذلك وحسب بل تحسن عامل المدى للطائرة، بحيث ترافق ازدياد عدد المقاعد ومع زيادة نسبية في المدى، وأدى ظهور هذه الظاهرة، بالاضافة الى الازمات السياسية والصحية في العالم إلى احتدام المنافسة في التفوق نحو زيادة المدى المترافق مع زيادة عدد المقاعد في الطائرات.

قوة محركة جبارة
بينت الدراسات التي أجريت حول تقييم أداء الطائرات المدنية بشكل عام، أن معدلات رفع كفاءة الطائرات تحقق %60 في مجال المحركات، والباقي يتوزع على تصميم الاجنحة وانسيابيتها، والتحسينات التي عليها وعلى البدن، والقليل يبقي للأنظمة الالكترونية المزودة بها، واليوم تعد محركات (جنرال الكتريك) فئة GE-90 من افضل وأكبر واقوى المحركات النفاثة في العالم، حيث وصلت طاقة الدفع القصوى لها أخيرا الى عدد تجاوز 100 الف رطل، وهو ما يستحق الاعجاب، وساعد التطور الملحوظ في الانظمة الرقمية في تحقيق نسبة استهلاك للوقود منخفضة، مقارنة بالمحركات التي كانت في حقبة السبعينات، كما انخفضت نسبة الأعطال الفنية فيها وازدادت أعمارها التشغيلية، وبالطبع انعكس ذلك على انخفاض عامل الصيانة المتطلب لها وهو أمر محبذ للجميع.

السر في الجناح
يلاحظ في الوقت الحالي، ظهور جنيحات وزوائد في اطراف الاجنحة الرئيسية للطائرات المدنية الحديثة، وتعمل تلك الزوائد على تحسين انسيابية الهواء المحيط بالأجنحة، ورفع نسبة الرفع والدفع والتقليل من نسبة الجر (مقاومة الهواء)، ومثال على ذلك ساهم تركيب تلك الجنيحات الاضافية على الطرازات الحديثة لكل من طائرات إيرباص وبوينغ على التقليل من صرف الوقود بنسبة تجاوزت %20، وعزز من قدرتها على حمل أوزان أثقل من السابق والطيران لمسافات أبعد، وكل هذا بفضل زيادة في امتداد جناح وتأمل بوينغ من تزويد طائرتها البوينغ 777-9 اكس المزمع انتاجها بأكبر جناح يصنع لطائرة ثنائية المحركات على الاطلاق بحيث يصل الجناح الى 71 مترا وهو ما يضعها في خانة تقترب من أكبر الطائرات في التاريخ.

بجعة ايرباص
عندما أرادت ايرباص المنافسة وضعت نصب أعينها ما يؤول اليه الاقتصاد في الوقود في المرحلة الحالية والمرحلة اللاحقة، حيث تعتبر القدرة على توفير الوقود من أهم عوامل المفاضلة بين الطائرات، خصوصا ان تكاليف الوقود باتت تشكل أكثر من %40 من النفقات التشغيلية بالاضافة الى حجم السعة المقعدية والقدرة على قطع المسافات ومدى محافظتها على البيئة، لذلك تحولت ايرباص في ليلة وضحاها الى التصنيع باستخدام المواد المركبة اسوة بمنافستها بوينغ التي سبقتها في ذلك مع النموذج 787 دريملاينر، ليتمخض ذلك عن النموذج 350 المعروف بـ XWB والذي نال اعجاب العديد من الناقلات الجوية فترجم ذلك بصفقات شراء كبيرة مما شكل تهديدا كبيرا لطائرات بوينغ من الفئة نفسها والمتمثلة بـ 777.

عنقاء بوينغ
على الجانب الآخر من التل لم تجازف بوينغ في صنع نموذج جديد كليا يخلف طائرتها 777 بل على العكس فعلت النموذجين 777 و787 لصنع بدائل اكثر اقتصادية واعتمادية فقررت طرح نموذج مطول البدن من طائرة 787 وهو -10 الذي سيكون حسب زعمها أطول مدى وأكبر سعة من الايرباص الناجحة والواسعة الانتشار 330-300، حيث سيكون 25% من ناحية الكفاءة في الاقتصاد في الوقود كما أنه سيكون أخف وزنا نتيجة استخدام المواد المركبة في بدنها من النموذج المحسن الذي ستنتجه ايرباص من طائرات 330-300 بنسبة %30 وهو مثبت كون الايرباص 330 تستخدم الألمنيوم في تصنيع بدنها.

الخلاصة
المطارات تزداد سعة وضخامة، والطائرات كذلك ستزداد سعة وضخامة، ومع وجود الطائرات الحالية وتمتعها بقدرات الطيران ذي المدى الطويل جدا (اكثر من 10 ساعات)، اصبح لزاما ظهور طائرات تتجاوز عقبة محدودية السعة الحجمية للركاب والحمولة النافعة، وحتما سيكون الحل في الطائرات الحالية ولكن بابدان أطول وبأجنحة ذات باع عريض ومحركات جبارة أكثر هدوءا واقل استهلاكا للوقود.



رابط المصدر