كان صلى الله عليه وسلم عريض الصدر ، عريض ما بين الأكتاف ، عُنقه معتدل لا هو طويل زائد عن الحد ولا هو قصير ، وكان غليظ الكفين وهذا دليل على القوة ، ولذلك رُوي أخبار متعددة أنه صرع كل أبطال الجزيرة العربية في المصارعة
ومن أشهر ما ورد قصة ركانة وقد كان رجلا مصارعا يقف على جلد ثور أو بقرة فلا يستطيع عشرة رجال أشداء أن يزحزحوه ، وهاكم قصته:
{قد كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: رُكَانَةُ ، وَكَانَ مِنْ أَفْتَكِ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي وَادٍ ، يُقَالُ لَهُ: إِضَمٌ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِ خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَاتَ يَوْمٍ قِبَلَ ذَلِكَ الْوَادِي ، فَلَقِيَهُ رُكَانَةُ وَلَيْسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رُكَانَةُ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ الَّذِي تَشْتُمُ آلِهَتَنَا اللاتَ وَالْعُزَّى وَتَدَعُو إِلَى إِلَهِكَ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، لَوْلا رَحِمٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَا كَلَّمْتُكَ الْكَلامَ حَتَّى أَقْتُلَكَ ، وَلَكِنِ ادْعُ إِلَهَكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ يُنْجِيكَ مِنِّي الْيَوْمَ وَسَأَعْرِضُ عَلَيْكَ أَمْرًا ، هَلْ لَكَ إِلَيَّ أَنْ أُصَارِعَكَ وَتَدْعُو إِلَهَكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ أَنْ يُعِينَكَ عَلَيَّ وَأَنَا أَدْعُو اللاتَ وَالْعُزَّى ، فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ تَخْتَارُهَا ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ ، فَاتَّخِذْ ، فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَهَهُ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى رُكَانَةَ ، وَدَعَا رُكَانَةُ اللاتَ وَالْعُزَّى ، أَعْنِي عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَاتَّخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ ، فَقَالَ رُكَانَةُ: فَلَسْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَخَذَلَنِي اللاتُ وَالْعُزَّى وَمَا وَضَعَ أَحَدٌ جَنْبِي قَبْلَكَ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: عُدْ، فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ أُخْرَى تَخْتَارُهَا ، فَآخَذَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَى كَبِدِهِ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: فَلَسْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَخَذَلَنِي اللاتُ وَالْعُزَّى وَمَا وَضَعَ جَنْبِي أَحَدٌ قَبْلَكَ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: عُدْ ، فَإِنْ أَنْتَ صَرَعْتَنِي فَلَكَ عَشْرٌ أُخْرَى تَخْتَارُهَا ، فَأَخَذَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَهَهُ كَمَثَلِ فَعَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَصَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: لَسْتَ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ بِي هَذَا ، إِنَّمَا فَعَلَهُ إِلَهُكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَخَذَلَنِي اللاتُ وَالْعُزَّى ، فَدُونَكَ ثَلاثِينَ شَاةً مِنْ غَنَمِي فَاخْتَرْهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أُرِيدُ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَدْعُوكَ إِلَى الإِسْلامِ يَا رُكَانَةُ ، وَأَنْفَسُ بِكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى النَّار ِ، إِنَّكَ إِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: لا، إِلا أَنْ تُرِيَنِي آيَةً ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ عَلَيْكَ شَهِيدٌ ، لَئِنْ أَنَا دَعَوْتُ رَبِّي فَأَرَيْتُكَ آيَةً لَتُجِيبَنِي إِلَى مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ، وَقَرِيبٌ مِنْهُمَا شَجَرَةُ سَمُرٍ ذَاتَ فُرُوعٍ وَقُضْبَانٌ ، فَأَشَارَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهَا: أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَانْشَقَّتْ بِاثْنَيْنِ فَأَقْبَلَتْ عَلَى نِصْفِ شِقِّهَا وَقُضْبَانِهَا وَفُرُوعِهَا حَتَّى كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ رُكَانَةَ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: أَرَيْتَنِي عَظِيمًا ، فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ ، فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ بِقُضْبَانِهَا وَفُرُوعِهَا حَتَّى إِذَا الْتَأَمَتْ ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: مَا بِي إِلا أَنْ أَكُونَ قَدْ رَأَيْتُ عَظِيمًا وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ تَسَامَعُ نِسَاءُ الْمَدِينَةِ وَصِبْيَانُهُمْ أَنِّي إِنَّمَا أَجَبْتَ لِرُعْبٍ دَخَلَ فِي قَلْبِي مِنْكَ ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَتْ نِسَاءُ الْمَدِينَةِ وَصِبْيَانُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ جَنْبِي قَطُّ أَحَدٌ وَلَمْ يَدْخُلْ قَلْبِي رُعْبٌ سَاعَةً قَطُّ لَيْلا وَلا نَهَارًا ، وَلَكِنْ دُونَكَ فَاخْتَرْ غَنَمَكَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ لِي حَاجَةٌ إِلَى غَنَمِكَ إِذْ أَبَيْتَ أَنْ تُسْلِمَ ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاجِعًا}{1}
فكانت قوته صلى الله عليه وسلم من الله ، إذا كان الله جعل إبراهيم عليه السلام كأُمَّة فنبينا صلى الله عليه وسلم مثل جميع الأمم من البدء إلى الختام في كل المزايا التي خصَّه بها الملك العلام: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} الكهف110
كلكم من البدء إلى النهايات
كل ما أوتيه الأولون والآخرون أُوتي صلى الله عليه وسلم مثله أضعافاً مضاعفة من فضل الله ومن إكرام الله واختصاص الله لحَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم
{1} دلائل النبيوة للبيهقي وأبي نعيم عن أبي إمامة ، تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: لأحمد بن علي بن حجر، أبي الفضل العسقلاني، (773-852)