المجموعات الإجتماعية |
البحث |
مشاركات اليوم |
مشاركة [ 1 ] | ||||
|
||||
|
انطلقت بنا السيارة تشق الأرض الخضراء عن يمين وشمال والنسمات الباردة تلفح وجوهنا وتتسلل إلى صدورنا لذيذة منعشة، وحديث المسافرين يدور بيننا عن تاريخ المغرب وعراقته وباعه الطويل في الحضارة الإسلامية. كانت أولى ملاحظاتي أن الدار البيضاء لها من اسمها نصيب فمعظم البيوت في الشوارع الرئيسية مطلية باللون الأبيض. وما أن وصلنا حتى بهرني منظر المسجد الكبير، مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء الذي يرسو كأنه سفينة عملاقة على شاطئ المحيط، إنه ليس مسجداً فحسب، بل تعبير حميم وعميق عن حضارة المسلم المغربي في العصر الحديث. صلينا المغرب والعشاء جمعاً وشعرنا بارتياح عميق ولذة روحية منعشة فما أجمل وأعظم أن تبدأ دخولك البلاد بالصلاة في أطهر بقاعها، وزيارة أضخم معالمها، وقد اجتمعت الصفتان في هذا المسجد، وخرجنا منه نستنشق هواءً نقياً يهب من البحر ونحس في أعماقنا بالطهارة والصفاء الذي يشعر به المسلم بعد صلاة خاشعة، تأملت في الحكمة من علو سقوف هذا المسجد، ورأيت كم يبدو الإنسان صغيراً ضئيلاً وهو ساجد في مشهد ضخامة هذا المسجد وعلو هامته، ولكن المسلم الذي صنع هذه الضخامة وهذا العلو ليتضاءل في جوفه وهو ساجد لربه يدرك أنه في لحظة سجوده وخضوعه هذه أكبر وأعظم من أي مخلوق على وجه الأرض لأنه أقرب ما يكون إلى ربه، ليس بينهما حجاب، هل هذه هي الحكمة من العلو المميز لهذا المسجد؟ ربما.. أو هكذا يجب أن تكون تجسيداً مادياً للسمو الروحي الذي يرتفع به المسلم عن سائر البشر وهو ساجد للّه. كان أول ما يلفت النظر زخارفه المميزة والطراز المغربي الأندلسي في الأعمدة والسقوف العالية التي جعلت منه أكثر مساجد العالم ارتفاعاً. استغرق العمل اليدوي على هذه الزخارف والنقوش أكثر من سبعة أعوام لتصنع منه أعجوبة في الفن فتشهد بعبقرية الإنسان المغربي المسلم وإصراره على إقامة هذا المعلم شاهداً على حضارة عصره، مطلاً على حضارة الغرب عبر المحيط والمضيق بعبارة (لا غالب إلا اللّه) التي ترددها جنبات هذا الجامع على كل عمود لتروي سر انتصار حضارتنا في عبارة موجزة، لقد زُيِّنَت حتى أماكن الوضوء ودورات المياه بالطراز الزخرفي نفسه الذي عم أرجاء المسجد كله، وهو على الأصح ليس مسجداً فحسب، بل جامعة فقد الحقت به مكتبة ومتحف ومدرسة لتحفيظ القرآن والدراسات الإسلامية، وقاعات آية في الفخامة والجمال لأغراض متعددة لم يتسع الوقت للتعرف عليها هذه كانت الساعات الأولى لي في المغرب العربي، إذ لم تتح لي زيارة هذا الوطن إلا هذه المرة حين قصدته لحضور (المؤتمر الدولي الرابع للأدب الإسلامي) بمدينة فاس، ولا أدري لماذا تأخرت هذه الزيارة لهذا الجزء العريق والأصيل من الوطن العربي الإسلامي على كثرة الفرص والمناسبات الثقافية التي أتيحت؟ انتابني هذا الخاطر بعدما وطئت قدماي مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، وتحول إلى شعور ضاغط بالتقصير بعدما رأيت من دفء اللقاء وحفاوته من الإخوة أعضاء رابطة الأدب الإسلامي بالمغرب الذين استقبلونا في فاس في ساعة متأخرة من الليل يتقدمهم رئيس مكتب الرابطة الشاعر المغربي الكبير حسن الأمراني. كنا أربعة انطلقنا من المملكة، فضيلة الدكتور عبدالقدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ونائبه د. عبدالباسط بدر الناقد المعروف ود. محمد حسن الزير الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأنا، ولكننا تفرقنا في الطائرة الكبيرة ولم نلتق إلا في مطار الدار البيضاء، ولم أكن أعرف الدكتور الزير شخصياً فالتقيته لأول مرة. ولما كان موعد السفر إلى فاس بعد خمس ساعات من وصولنا رأينا أن نستغل الوقت بالتجول قليلاً في المطار الكبير والاطلاع على خدماته، فقد كنت الوحيد بين القوم الذي يزور المغرب لأول مرة، والدكتور الزير زارها قبل ربع قرن فعد نفسه مثلي، ولهذا عقدنا العزم أن ننطلق لزيارة أضخم معلم في الدار البيضاء، مسجد الحسن الثاني، ونصلي فيه لتكون بداية زيارتنا لهذا الوطن بالسجود للّه على أرضه. وبعد فراغنا من الصــلاة أحسسنا بعضــة الجــوع مع ازدياد برودة الجـــو، فانطلقت بنا السيارة تبحث عن مطعم ثم نواصل بعده السير إلى المطــار في الطريق إلى فاس عاصمة المغرب التاريخية. المغرب العربي... الإنسان، الهوية، والثقافة استغرق الملتقى الدولي الرابع للأدب الإسلامي في مدينة فاس المغربية ثلاثة أيام بجدول مزدحم صباح مساء، وكان هذا الجدول يتعارض مع رغبة الزائر الذي يأتي إلى بلاد لأول مرة، وكان لابد من الهروب من بعض الجلسات بعد أن أقنعت نفسي أننــي أستطيــع تعويضهـــا بالعــودة إلـى النص الأصـلي، ولكننـــي لا أستطيع تعويض هذه الطبيعة الساحرة والتاريخ الناطق والثقافة الحية التي أريد التعرف عليها. كانت جلسات الملتقى في قاعة المحاضرات الكبرى بكلية الآداب جامعة سيدي محمد بن عبداللّه، كان المبنى عبارة عن ثلاثة أضلع مفتوحة، شرفات المباني على ساحة كبيرة يموج فيها الطلبة والطالبات تنتهي في الضلع الرابع -المنفصل- بمكان قاعة المحاضرات. قيل لنا إن مباني هذه الكلية عرفت عدداً من جهابذة رجال الفكر والثقافة والجهاد في المغرب العربي، وإنها أحدى منطلقات علال الفاسي حيث كان يقف على شرفة أحد أضلاع هذه المباني مطلاً على مئات الطلاب فأدركت سر اختيار هذا الشكل الهندسي لهذه الكلية. وتقع الكلية على ربوة تطل على مرتفعات ومنخفضات خضراء تمتد إلى مرمى البصر حتى تلتقي بلون السماء. اعتدت أن اختلس بعض الوقت لأجلس هناك وحيداً استمع لصمت الطبيعة الناطق وأتأمل في لوحتها الخضراء، ووجدت نفسي أعود إلى شاعرية فقدتها في زحام الحياة وجفافها ومشاغلها. وكان من حسن حظي أن حصل توافق بيني وبين أحد رجال اللجنة المنظمة للملتقى، وهو شاعر مثقف وأستاذ جامعي من أهل مدينة فاس.. إنه الدكتور الحسن المحب وقد كشفت لي صحبته أنه اسم على مسمى، فهو حسن الخلق محب للناس ودود، ولا يملك من يعرفه إلا أن يحبه، ودخلت معه في حوار طويل عن المغرب العربي وخصوصية ظروفه جميعاً. وكان قد لفت نظري إلى هذا عندما رآني أعقد المقارنة بين المغرب وبعض دول المشرق الشبيهة الظروف، ووجدت أن هناك مشكلات مشتركة مع دول المشرق، لكن المغرب العربي كله يتميز بمشكلات أخرى، فمعظم هجرة العمالة المغربية إلى أوروبا وليس إلى الدول العربية المشرقية، وقد أدت هذه إلى مشكلات في الثقافة واللغة والدين، ولفت نظري كتاب عن المرأة المغربية المسلمة العاملة في أوروبا، وهالني ما قرأت. وانعكست المعاناة على وسائل الإعلام وما يكتب هناك من قصص وروايات، وتضاعفت معاناة المغربي المسلم في أوروبا وخاصة فرنسا بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم، وإصرار أمريكا على إلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين، ورغم الحضور الظاهر للثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية إلا أن هناك إصراراً على اللغة العربية وتمسكاً بالدين، وقد أدى حرصهم على التعريب إلى تكوين معجم لغوي خاص بهم تبدو كلماته غريبة علينا نحن أهل المشرق، ولكن لما رجعت للأصول اللغوية وجدت أن الكثير من تراكيبهم اللغوية أكثر ارتباطاً بالمعنى المقصود من التراكيب التي نستخدمها في المشرق، والمغربي متدين بفطرته حتى أولئك الذين يلبسون مسوح الثقافة الغربية، ويلوون ألسنتهم بالفرنسية، ليسوا على استعداد للتخلص من هويتهم العربية أو عقيدتهم الإسلامية، فاس.. التاريخ يتكلم بصوت عال تجولت مع الدكتور الحسن المحب في مدينة فاس الجديدة، وبالذات وسط المدينة الذي لا يختلف كثيراً عن بقية المدن العربية إلا بظاهرة كثرة (القهاوي) التي تحتل معظم واجهات شوارع الأسواق، ولفت نظري أيضاً ازدحامها، والناس فيها جلوس في صفوف قبالة الشارع شباباً وشياباً، لكن ما يجعلها تختلف عن (قهاوي) بلدان أخرى مثل مصر أنها هادئة لا جلبة فيها ولا ضوضاء، والناس صامتون أو يتحدثون بهدوء، وقد تتبعت هذه الظاهرة في مدينتي الرباط والدار البيضاء فلم أجد فرقاً كبيراً. ولم أعجب من ظاهرة كثرة (القهاوي) بهذا الشكل اللافت فهي من مخلفات الثقافة الفرنسية، إذا صح أن تكون (القهاوي) ثقافة!! وتساءلت: هل كل هذا الكم الهائل من البشر الذين يجلسون على القهاوي هم من العاطلين عن العمل أو من موظفـي الـدولة الذين لا عمل لهم بعد العصر؟ فكان الجواب: أن نعم، خليط من الاثنين، ولابد من الاعتراف بأن هناك بطالة في هذا البلد الذي زاد على الأربعين مليون نسمة ولا يزال يجاهد لأجل تنويع قاعدة موارده الاقتصادية. لكن المغرب، مثل أي وطن عربي، غني بثرواته الطبيعية التي لم تستغل كلها بعد، في آخر أيام الملتقى الدولي للأدب الإسلامي أخذنا جميعاً في حافلة لزيارة مدينة فاس القديمة، وهناك بدأت صحبتي للدكتور محمد حسن الزير، وقررنا الانفصال عن المجموعة. كان معنا كتاب عن مدينة فاس بالخرائط والمواقع أردنا أن نمشي وفقها، ومعنا شاب مغربي تعرفت عليه في كلية الآداب تخصصه تاريخ، هو إدريس ريان نعمنا بصحبته طوال إقامتنا في فاس، وكان آية في الوداعة واللطف وحسن الخلق. بدت لنا مدينة فاس القديمة ونحن مقبلون عليها في الحافلة كقلعة حصينة بأسوارها المتينة وفخامة أبوابها المتعددة وموقعها على مرتفع يطل على المدينة الجديدة، وفاس كلها تقع ما بين عدوتين، ويروي المؤرخون أن هذا سر اختيار الإمام إدريس بن إدريس مؤسس مدينة فاس سنة 191هـ لما رآه في ذلك الموقع من غضة ملتفة بالأشجار مطردة العيون والأنهار، وما استحسنه من كثرة الماء وطيب التربة، واعتدال الهواء. وأقيمت المدينة في سنة بعدما أعلن الإمام إدريس قائلاً: (من ابتنى موضعاً وغرسه فهو له هبة) فابتنى الناس الديار وغرسوا الثمار فكثرت العمارة، وقد ساعد على عمران المدينة كثرة الأشجار التي وفرت للناس ما يحتاجون من خشب للبناء، حيث كان الرجل يستهلك خشب الأشجار التي على أرضه فلا يحتاج غيرها. وأطلق الإمام إدريس على العدوة الأولى عدوة القرويين، حيث نزل بها هو ومن معه من العرب الذين كان أكثرهم من أهل القيروان والبربر، وأطلق على العدوة الثانية عدوة الأندلس وأسكن بها جنوده وقواد جيشه وخيوله ومستلزمات قصره، وخصص لكل عدوة مسجداً مركزياً تحيط به بيوتها وأسواقها، ولا تزال الأسواق المجاورة للمسجد تحمل اسمها التاريخي (القيسارية) إلى اليوم، وقد اختلف المؤرخون في مصدر هذا الاسم إن كان لاتينياً من (قيصر) أوعربياً من (قصر). ومنذ بنائها في آخر القرن الثاني الهجري وفاس تسجل مكانة مميزة في التاريخ الإسلامي عامة وتاريخ المغرب خاصة، فقد كان لها أثر كبير في مجرى الأحداث السياسية في المغرب والأندلس، وبلغت أوج تألقها الحضاري في عصري المرابطين والموحدين، إذ حرصوا على أن يسودها الاستقرار والأمان، فرعوا فيها العلوم والآداب، فهاجر إليها العلماء والأدبـــــاء الذين تزخر بهم كتب التاريخ، دخلها المرابطون سنة 264هـ، واهتم بها يوسف بن تاشفين مؤسس الـــــدولة اهتماماً كبيراً، وأعاد تنظيم بنـــــائها، فاهــــتم بالمساجد والمــــدارس، وأمر ببناء الحمامات والفنادق، وزاد الأراضي المزروعة، واستقدم العلماء. وفي سنة 540هـ سقطت فاس في أيدي الموحدين، فواصلوا الاهتمام بها حتى أصبحت من أهم المدن في العالم الإسلامي وكبريات مدن المغرب.. إنه التاريخ يتكلم بصوت عالٍ، فما الذي بقي من هذا كله؟ وما الذي رأيناه في جولتنا بفاس القديمة؟ هنا سكن ابن خلدون وحرق ابن الخطيب توقفنا عند بيت صغير من طابقين، البيت الذي سكنه العلامة الشهير ابن خلدون ويقع على منحدر ضيق، وفيه كتب كتابه الصوفي (شفاء السائل لتهذيب المسائل)، سكنه ابن خلدون لمدة عامين (1372-1374)، وهي الفترة التي عمل فيها في بلاط المرينيين قبل أن ينتقل إلى الأندلس. عاش في فاس عدد من العلماء والأدباء الذين أسهموا في الحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس، أهمهم العالم الشاعر والوزير الغرناطي لسان الدين بن الخطيب صديق ابن خلدون، وهو صاحب الموشح الأندلسي المشهور: جادك الغيث إذا الغيث هما لم يكن وصلك إلا حلما يا زمان الوصل بالأندلس في الكرى أو خلسة المختلس وقد وقفنا من سطح أحد الدور على المكان الذي شهد النهاية المأساوية لهذا الشاعر العظيم حيث أحرقت جثته بعد اغتياله في زنزانته، كما يوجد بفاس أيضاً ضريح العلامة الأندلسي أبو بكر بن العربي صاحب كتاب (أنوار الفجر) وكان معاصراً للسلطان يوسف بن تاشفين، وتوفي بفاس سنة 1148م وعاش بفاس من غير المسلمين الفيلسوف والحاخام اليهودي القرطبي موسى بن ميمون صاحب كتاب (دلائل الحائرين) الذي أظهر فيه تأثره بعلم الكلام الإسلامي، لتقف قصته- وعشرات أمثاله- شاهداً على سماحة العقيدة الإسلامية وعظمة حضارتها التي اتسعت لكل الأجناس والأديان والأفكار. وتعمر فاس القديمة بالمدارس التاريخية التي بنيت عبر العصور، أهمها المدرسة البوعنانية التي بناها السلطان أبو عنان المريني، قال عنها ابن بطوطة: (إنه لم ير مثلها لا في سوريا ولا في مصر ولا في العراق ولا حتى في خراسان). داخل أسوار رباط الفتح وصلنا مدينة مكناس بعد ساعة تقريباً، وكنا نتمنى زيارتها والوقوف على معالم تاريخها وكدنا نستجيب لإلحاح الصديق الطالب المغربي إدريس ريان الذي كان يصر على استضافتنا هناك في بيت أخيه، لكن ضيق الوقت كان يطاردنا. وانطوى الطريق في حديث شهي مع الصديق الدكتور محمد حسن الزير في التاريخ والأدب وذكريات حضارتنا العظيمة في هذه البلاد، كانت لنا جولة في ربوع الرباط جاءت بالمصادفة أثناء البحث عن فندق مناسب يجمع بين الهدوء والنظافة ومواصفات الموقع، تجولنا على شاطئ الهرهيرة الشهير حيث توجد به أجنحة وبيوت للإيجار يرتادها السائحون من المشرق في الصيف، وكانت هناك بعض الفنادق على البحر، ورأينا أن السكنى هناك لمثلنا الذين لن تزيد عن يومين تنقطع بنا عن المدينة التي نريد أن نراها. حططنا الرحال في فندق جمع الصفات التي نريد ما بين منطقتي (الضريح) ووسط المدينة.. والمقصود بالضريح مدفن الملك محمد الخامس، خرجنا إليه مشياً على الأقدام، فإذا به مساحة كبيرة تقع على ربوة مرتفعة تطل على أجمل ضواحي الرباط.. وهذا الموقع نفسه كان مسجداً أثرياً لم تبق منه إلا منارته التاريخية وبعض أعمدته التي كانت مسجداً، إنه (مسجد حسان) الذي يقال إن عدد أعمدته كان 360 عموداً بناه السلطان يعقوب المنصور الموحدي وكان من أكبر المساجد في عهده، إلا أن البناء فيه توقف بعد وفاته سنة 1199م ثم تقوض معظم ما بقي منه بعد زلزال سنة 1755م، ولكن الآثار المتبقية تشهد على ضخامة مشروع المسجد الذي يبلغ طوله 180 متراً وعرضه 140 متراً.. أما المنارة التي تسمى (صومعة حسان) التي لا تزال قائمة تشهد لعصرها ولبانيها، فيبلغ ارتفاعها 44 متراً ولها مطلع داخلي ملتو يؤدي إلى أعلاها ويمر على ست غرف تشكل طبقات، وقد زينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر المنحوت على النمط الأندلسي المغربي.. وبقي في أذهاننا سؤال عن حسان المقصود في التسمية هل هو حسان بن ثابت أم حسان آخر؟.. الدار البيضاء... خاتمة المطاف ما دمنا قد عدنا من فاس إلى الرباط بالحافلة، فلابد أن نستقل القطار في العودة إلى الدار البيضاء من الرباط، وهكذا كان، فلم يقل إعجابنا بنظام محطة القطار في الدار البيضاء عن محطة الحافلات في فاس..واستغرق الطريق حوالي الساعة. اخترنا فندقاً هادئاً في أحد الشوارع الفرعية في وسط المدينة بمواصفات لن يختارها إلا من كان مثلنا، أهمها الهدوء والنظافة المادية والمعنوية، ومن هناك انطلقنا نجوب الشوارع والأسواق المجاورة سيراً وركوباً، فهذه المدينة الكبرى التي أنشأها البرتغاليون سنة 1575م كانت قرية صيد صغيرة، دمرها زلزال عنيف سنة 1755م ثم أعيد بناؤها من جديد، أصبحت الآن أكبر مدن المغرب سكاناً ورابع أكبر مدن أفريقيا من حيث كبر الحجم بعد القاهرة، والإسكندرية، وجوهانسبرج (بجنوب أفريقيا)، فسكانها الآن حوالي الثلاثة ملايين، وكانت من أولى المدن المليونية التي ظهرت في العالم الإسلامي، والعجيب في الدار البيضاء سرعة تضاعف سكانها، فقد تضاعف عشرات المرات خلال 90 عاماً إذ كان سكانها 20 ألفاً فقط سنة 1911م، وقد أطلق عليها التجار الإسبان اسم (كازابلانكا) أي المسكن الأبيض باللغة الإسبانية بسبب الطلاء الأبيض الذي ترش به بيوتها. واتخذها الأمريكان قاعدة بحرية لهم أثناء الحرب العالمية الثانية، وفيها التقى روزفلت بتشرشل في يناير سنة 1943م ليقررا مصير الحرب. وفي اليوم التالي اتصل بنا صديق مغربي من أهل الدار البيضاء وعرض علينا أن يصطحبنا بسيارته في جولة على الشاطئ السياحي الذي يسمى (عين الذئاب)، وانطلقنا نجوب الشاطئ وفنادقه التي تزدحم في الصيف. شعرنا ببرودة الجو بعد الغروب مع شدة الريح رغم أننا كنا في أواخر مارس، والدار البيضاء تقع على المحيط في المنطقة المعتدلة الدافئة (30-40م شمالاً) بارتفاع 58م عن سطح البحر. كان اليوم التالي يوم سفرنا يوم جمعة وكنت أعرف أن الشعب المغربي يفضل وجبة (الكسكسي) الشهيرة في مثل هذا اليوم، فرأينا أن ندعو صديقنا المغربي على هذه الوجبة في أحد المطاعم الفاخرة شعوراً منا بالامتنان والتقدير لما قام به معنا، فإذا بنا نفاجأ بأنه قد خطط على أن يصطحبنا عنوة للغداء في منزله ثم إلى المطار بسيارته، وعبثاً حاولنا الاعتذار فلم نستطع. ورأينا ضيافة البيت المغربي وأريحية الإنسان المغربي وكرمه وأمضينا ساعات مع أناس من أطيب من عرفنا قلوباً وخلقاً وديناً. وفي المطار حسبت الحسبة فرأيت أنني ما كسبت في سفر من أسفاري ما كسبته في هذا البلد، فمكسبي لم يكن فيما ما حملته في حقيبتي من هدايا أو ما اختزنته في ذاكرتي من مناظر، أو ما سمعته من محاضرات في المؤتمر بفاس، بل كان حقيقة في من عرفته من أناس ذلك البلد الذين لا تقدر معرفتهم بمال، وقبل ذلك كله وبعده كسبت صديقاً لو عرفته في الرياض لما توطدت بيني وبينه العلاقة كما هي عليه الآن وتذكرت الأبيات الشهيرة التي تقول: تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد هذا رأيي في المغرب العربي الذي رأيت، وأهله الذين عرفت، وذلكم رأيي في الرجل الذي صاحبت، فما أعظم وأجمل ما رأيت وما أصدق وأوفى من عرفت أستاذ جامعي سابق عن مجلة عالم السعودية |
|||
مشاركة [ 2 ] | ||||
|
||||
|
دائمة متالقة و راقية في مواضيعك يا رباب اتشرف اني اكون اول من يرد على موضوعك
شكرا |
|||
مشاركة [ 3 ] | ||||
|
||||
|
مشكورة عزيزتي ربـــاب على طرحك الجميل والمتألق لاعدمنا عطاءك ومواضيعك القيمة التي تستحق المرور |
|||
مشاركة [ 4 ] | ||||
|
||||
|
ما شاء الله تبارك الله
|
|||
مشاركة [ 5 ] | ||||
|
||||
|
نَشْكُرُك أُخْتِي اُلْفاضِلَة عَلَى طَرِحك اُلْجَمِيلْ
|
|||
مشاركة [ 6 ] | |||
|
|||
عضو خط الطيران
|
مشكورة يارباب على الجميل هذا الطرح
|
||
مشاركة [ 7 ] | ||||
|
||||
|
شكرا جزيلا لك أختي الفاضلة رباب على مواضيعك الراقية والرائعة ^_^
|
|||
مشاركة [ 8 ] | |||
|
|||
عضو خط الطيران
|
رحلة ممتعة في سطور كلماتك شكرا على المجهود وفي انتظار رحلة اخرى
|
||
إضافة رد |
افـريقيا - Africa |
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | المنتدى | |||
>>أشهر حوادث الطيران المدني في العالم<< | السلامة الجوية Flight Safety | |||
حركة الطيران في الإمارات ترتفع 10% إلى 49 ألف رحلة في يوليو | المقالات الصحفية Rumours &News | |||
184.7 ألف رحلة طيران في مطارات الدولة بين اشهر يناير وإبريل عام 2009 بنمو 5.8% | المقالات الصحفية Rumours &News | |||
435 ألف رحلة في مطارات الدولة خلال 10 أشهر | المقالات الصحفية Rumours &News | |||
سما للطيران تؤجل كافة رحلاتها لساعات طويلة وتلغي 4 رحلات لهذا اليوم السبت 11/8/2007 | المقالات الصحفية Rumours &News |