[:::: A L I ::::]

الأسواق المفتوحة تجذب النمساويين والسياح من كل بقاع العالم.. رغم برودة الطقس

فيينا تحتفل بالأعياد على طريقتها التقليدية الخاصة

بهرجة، وأضواء، وزينة، مع أصوات ضحك ومرح، ووسائل مواصلات تفرغ حمولاتها من بشر مستبشرين مبتهجين متدثرين بأجود الملابس الشتوية، فيما درجات الحرارة تواصل انهيارها دون الصفر، بينما السماء تتلبد بالغيوم، والثلوج سيلها لا ينقطع بقوة أو على شكل رذاذ ما أن يصل إلى الأرض حتى يتجمد فيغطيها بطبقات رقيقة من الجليد، تدوسها الأقدام بأحذية خاصة لتحميها من البرودة التي لا تنجح في حبسهم حيث الدفء داخل منازلهم مفضلين الانطلاق للابتهاج والاستمتاع بأيام محدودة من العام تنتهي بعدها هذه الأجواء الحميمية الخاصة التي توفرها الأسواق الموسمية التي ينتظرونها من عام لعام احتفاء بقدوم أعياد الميلاد. أسواق أعياد الميلاد أو «الكريس كيند ماركت» كما يسميها أهل النمسا، أسواق موسمية، تبدأ بشائرها بحفل افتتاح رسمي بمبنى البلدية بالعاصمة فيينا، في تمام الرابعة من عصر يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني) ليظل هذا السوق بالذات، وهو الأكبر والأفخم حتى يوم 23 ديسمبر (كانون الأول).
أسواق أعياد الميلاد، ورغم انتشارها في أكثر من بلد أوروبي فإن النمسا تشتهر برواج خاص، وطابع مميز، يصفه أهل البلد بأنه طابع رومانسي يتناسب مع شغفهم بالموسيقى والمهرجانات والكرنفالات المعبقة بروائح التاريخ والتقاليد التي تتوارثها الأجيال. والتي تكسبها برودة الشتاء القارس رونقا تزيد حلاوته كلما تزايد سقوط الثلوج التي تنهمر فوق رؤوس الزوار، أو قبعاتهم بالأحرى، فهذه الأسواق لا تقام إلا في ميادين مفتوحة غير مسقوفة، شاسعة المساحات مما يزيد من برودتها، ولشدة الزحمة بسبب كثرة الإقبال فإن من النادر بل المستحيل أن يستخدم الزوار مظلات، خاصة أن قوام متاجر هذه الأسواق هو مجموعة من الأكشاك الخشبية التي يتم توزيعها بنمط هندسي دائري، يوفر في معظم الأحيان مابين مجموعة أكشاك وأخرى من الأمام أو الخلف مساحة خالية تكتظ بالزوار الذين يقل عددهم ويزداد وفقا لما يقدمه كل كشك من معروضات إذ تطول الصفوف أمام بعضها فيما تتناثر حول بعض الأكشاك طاولات صغيرة وتلك رفاهية لا تتوفر إلا لأكشاك ذات مواقع خاصة.. وبالطبع فإن تلك الطاولات تزيد من قيمة الإيجار..
عموما تتنوع المعروضات ما بين مشروبات دافئة تقدم في أكواب من تلك النوعيات الرخامية الثقيلة مع أنواع من الشاي بمختلف النكهات، من برتقال إلى أناناس إلى قرنفل إلى مانجو إلى زنجبيل، فيما ينعدم تماما وجود القهوة أو على الأقل لم تتوفر في تلك الأسواق التي غطتها جولة «الشرق الأوسط».
هذا بالإضافة لمأكولات بكميات مهولة، وإن كانت محدودة الأصناف تتكرر ما بين ركن وآخر ولا تخرج عن كونها ساندوتشات من السجق أو الفورست أو الهوت دوغ معظمها من لحم الخنزير، كما تتوفر حبات البطاطا ضخمة الحجم المشوية، التي يسمونها «جاكتة البطاطس» حيث يشقونها بفتحة في منتصفها يحشونها وهي ساخنة بالجبن السائح والذرة الشامي.
وبالطبع تزخر الأسواق بأصناف من المخبوزات التي يتفننون في صنعها. ولا ينفي النمساويون أنهم قد اكتسبوا مهارات في هذا المجال من الأتراك والبلغار والمجريين ممن كانوا جزءا من إمبراطوريتهم السابقة إبان عهد الهابسبورغ. ومعلوم أن الجيوش التركية كانت قد وصلت حتى أطراف مدينة فيينا، حيث خلفوا كذلك شغفهم بالقهوة، فاكتسبها النمساويون ثم تفننوا في صناعتها وتجارتها.
أكثر أنواع المخبوزات انتشارا ووفرة في هذه الأسواق الكحك وبسكويت القرفة بمختلف الأشكال والأحجام والزينات «الليب كوخن» بالإضافة لبسكويت الزنجبيل وأنواع من المعجنات المحمرة تحميرا غزيرا على شكل لقيمات أو عوامات كبيرة الحجم محشوة بعضها بالشوكولاتة، وأخرى بالمربى، أو الكريمة كما تتوفر وبكثرة أنواع من الفطائر المملحة التي تفرد على شكل دائري رفيع كبير الحجم بنكهة الثوم. وترى الكثير من الزوار وهم يلتهمون هذه الفطائر في تجوالهم وطرفها ملفوف بمنديل حفاظا على نظافتها دون تقزز أو حرج بسبب رائحتها النفاذة.
هذا بشأن المأكولات التي تصاحبها كذلك أنواع وفيرة من الحلويات بما في ذلك فواكه مغلفة بالشوكولاتة. أما بقية المعروضات فمعظمها منتجات محلية لمختلف أنواع الزينة لأشجار الميلاد من مجسمات لملصقات، ومعلقات، وأجراس، وأشكال حيوانات، وكميات ضخمة من الشموع بمختلف الألوان والأحجام بل وحتى النكهات.
ليس ذلك فحسب بل تعرض بعض الأكشاك منتجات ومنحوتات خشبية، وأخرى زجاجية رفيعة المستوى بعضها من الكريستال، بأسعار مقبولة، فالفكرة هنا أن تستمتع الأسر بقضاء أجواء عائلية مميزة رغم بساطتها. وأن تتوفر لها فرص التسوق بأسعار زهيدة بعيدا عن سيطرة النزعات المادية والقبضة الاستهلاكية التي تغمر الأسواق العادية بدرجة أدت لاحتجاجات صارخة ضد أن تتحول الأعياد لمواسم للتسوق مما يتسبب في ضغوطات اقتصادية وديون، تبعد عنها روعة مقاصدها الدينية وأجوائها الأسرية التي من المفترض أن تربط الناس ببعضهم بعضا وتقدم لهم البهجة والراحة.
سوق البلدية بقلب فيينا هو الأكبر حجما، إذ يغطي كل مساحة الميدان أمام مبنى العمدة. تتوسطه سنويا شجرة عيد ميلاد خاصة يتم اختيارها من بين أجمل الأشجار التي تتنافس في تقديمها أقاليم النمسا التسعة. تم اختيار شجرة هذا العام من إقليم كرنسيا الجنوبي وعمرها 105 أعوام. أما طولها فقد تجاوز الـ32 مترا بقليل. وصلت إلى فيينا بتاريخ 3 نوفمبر (تشرين الثاني) في موكب فخم يتقدمه حاكم إقليم كرنسيا برفقته مجموعة من خبراء غاباتها المتخصصين في رعاية ثروة الإقليم النباتية.
وبعد مشاورات، ودراسة خطط وبرامج تم تزيين الشجرة بأنواع من الإضاءة الصديقة للبيئة تتماشى والفكرة العامة التي تم اختيارها لتزيين الميدان بأسره، فانتشرت الفراشات الكهربائية الملونة، والقلوب الحمراء، والأمواج الضوئية التي تؤكد أن اللون الأزرق بدرجاته مع الفضي، هما لونا الموضة والموسم هذا العام. هذا مع حرص واضح أن تكون كل أنواع الزينة المستخدمة من مواد صديقة للبيئة. هذا وقد أكد لـ«الشرق الأوسط» أكثر من صاحب كشك أنهم قد وقعوا على عقود تلزمهم باختيار أنواع من الزينة رحيمة رؤوفة بالبيئة، وذلك ضمن بنود جاءت صريحة تم تضمينها للعقود التي بموجبها تسمح لهم سلطات البلدية بعرض بضائعهم. يصل عدد أكشاك هذا السوق إلى 150 كشكا خشبيا يتم تركيبها وتفكيكها بشرط ألا تترك أي آثار خراب أو دمار بأرضية الميدان أو النباتات والنوافير والتماثيل المنتشرة من حوله.
هذا العام، يوجد بمدينة فيينا وحدها 25 سوقا بعضها لن يغلق أبوابه حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري. من أشهرها سوق قصر الشونبرون بالمنطقة 13 الذي يحمل طابعا ملوكيا يتناسب وطابع القصر المفتوح للزوار. يمتاز هذا السوق بجولات خاصة يعمد القائمون عليه على إمتاع الزوار بحكايات عن الأباطرة ممن عاشوا بالقصر، وكيف كانوا يحتفلون بالعيد وعن الهدايا التي كانوا يقدمونها لبعضهم بعضا.
ونخص بالذكر أيضا سوق قصر البلفدير بالمنطقة 4 الذي بدوره يكتسب رونقا يتناسب وروح البلفدير الفنية وما يعرضه من لوحات خالدة وما يحرص على تقديمه من معارض للوحات فنية خالدة لمختلف الفنانين من مختلف الجنسيات والعصور، أضف إلى ذلك فرصة التجوال والنزهة في حديقته البديعة.
بالمنطقة الأولى، أو قلب فيينا القديم، يمتد بحي الفرايون سوق أرستقراطي عتيق يمتاز بما يعرضه من مصوغات وحلي وكتب قديمة لا تجدها إلا فيه. أما بحي كوبلنز بالمنطقة 19 فيقوم سوق بجانب موقعه الجبلي المرتفع الخلاب، فإنه يهتم كثيرا بمعروضات لمنتجات حيوانية وأنواع مختلفة من العسل الطبيعي.
وفي المدن المعروفة عالميا مثل بريغنز، وسالزبورغ، ولينز وغراتس، تنتشر الأسواق التي تمثل كل مدينة من خلال معروضات الأكشاك التي تتناسب والاحتفال بأعياد الميلاد. وذلك مما يكسب كل سوق نكهة مميزة، ورونقا خاصا، ما يجعل بالتالي لكل سوق عشاقه وزواره الذين، ورغم البرد القارس، يجعلونه موقعا لمعظم لقاءاتهم وتجمعاتهم طيلة فترة الأسواق التي تفتح أكشاكها نوافذها من منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى ما قبل أو بعد الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) بيوم أو يومين، من العاشرة صباحا وحتى العاشرة مساء يوميا. مما جعل المسؤولين عن القطاع السياحي النمساوي يؤكدون وبفخر أن أسواق أعياد الميلاد التي عرفتها النمسا منذ عام 1294 تعد واحدا من أهم أسباب الرحلات السياحية للنمسا في هذه الفترة. هذا ولا يتوقع أن يقل عدد زوارها هذا العام عن 3.8 مليون زائر.

[Moon Flower]

يعطيك العافية على التقرير الوافي

سلمت الانامل

لك تحياتي

[عاشق A380]

شكراً على التقرير السياحي الرائع عن النمسا